لحظة فراق
لم يكن الولد الوحيد في عائلته ..... لكنه الوحيد في آدابه وأخلاقه ..... تميز بالتقى والنشاط الدؤب ....فارقه والده وهو في سن الشباب ..... وجعل بين يديه وصية العناية بأخيه الأصغر .....وكذا أمه وأخته الوحيدة المتواجدة في البيت .....ضل يكد ويصارع الحياة ليدخل البهجة في قلب أمه وأخيه .... لم يكن صغر سنه يمنعه من العمل حتى في الأماكن الصعبة .... كان يصعد في الأفاق من أجل أن يلحق الجدران بتلك النقوش التي نراه .... وكثيرا ما نتعجب من صانعها ... لكننا ننسى أن همم الرجال تصنع المعجزات ..... ما كان قلب الأم يتحمل كل هذا ..... حتى ولو كان ذلك الصعود .... هو مصدر الرزق الوحيد ..... صبرت لكنها قالت أليه في يوم من الأيام ....ألا يكفيك يا ولدي من هذه المشاق .... لقد صبرت عليك كثيرا لكني أصبحت الآن قلقة ....في ذاك اليوم وعدها أنه آخر يوم يشق فيه هذه الصعاب .... ففرحت الأم فرحا شديد وبدت نواجذها من الضحك .... في الصباح الباكر ..... غادر البيت ... والأم لازالت تتذكر أن هذا اليوم هو آخر يوم في الأعمال الشاقة .....ودعها في الصباح .... وهو يقول انتظريني سوف أعود في وقت مبكرا .... وأنصرف مسرعا .... هاهو الآن يضع أول خطوة ليصعد في ذاك السلم .... وهو يقول في نفسه أنه آخر يوم في هذا العمل .... أخذت أنامل يده تصنع تلك النقوش المبدعة .... وصل وقت القيلولة .... حيث تهوى الناس إلى النوم لتنعم بالبرودة والأجواء المنعشة ..... لكنها ما كانت تنعم نفسها بالنوم .... وهي تنتظر ذاك الفارس المغوار ... دقات الساعة تجاوزت الوقت المحدد ..... وضلت تجر خطاها في وسط البيت ..... تترقب أن تسمع دقات الباب .... لكنها ما كانت تسمع إلا دقات قلبها ...... فجأة وهي واقفة شاردة البال .... سمعت صوت سيارة فأخرجت نفس عميق ... وقالت الحمد لله هاهو أبني يعود ..... بعد طول انتظار..... أسرعت وهي تفتح باب البيت ....فرأت أمام عينيها ..... رجلين من أقاربها ..... فاندهشت بحيرة .... وقالت دون أن تعي ما تقول....لماذا أتيتما في هذا الوقت .... لم تتعودا أن تزوراني ....في وقت مثل هذا ؟!..... فقال أحدهما ..... أذن أنت لا تستقبليننا فلنعد من حيث أتينا .....وفي هذه اللحظة أفاقت الأم لما كانت تقوله .... وقالت إليه معذرة أنا لا أقصد ذلك .....وبعدها قال أحدهما أبنك ! فقالت ما به أبني ؟! ..... أبنك قد سقط من أعلى السلم وهو في حالة جيدة .... حينها سمعت الأخت الخبر ....فهرولت مسرعة وقالت لا أخي مات .... فقال الرجل نعم .... فتصاعدت الأصوات بالعويل ....وضلت الأم تردد وهي تقول هذا هو آخر يوم في عمله بل في حياته .....غادر الولد الحياة وهو المميز الصالح الطيب ..... أراد الموت أن يسرقه فجأة دون غيره ..... كان يأمل أن يحقق طموح الآخرين ولعلى نسي طموح نفسه ..... مازال يتذكر وصية أبيه .... دون أن يعلم أنه سيغادر الحياة دون أن يحقق كل ما يصبو إليه .... هكذا هو الموت ينتقي الأخيار والطيبين .... حتى يكون موتهم عبرة للآخرين .
ا
أنتظرو مني الجديد في عالم القصص الواقعية لنأخذ منها العبر والدروس ادامني الله في نفعكم أختكم المحبة أمينة تسألكم الدعاء حتى نكمل المشوارمعكم بكل فرح وسرور