أ- معنى اليقين ودرجاته:اليقين تحقق العلم بالشيء أو إزاحة الشك به. فهو على المعنى الأول أسمى درجة من العلم، أو أنه أعلى درجاته.ومن ضعف يقينه تعلق بالأسباب ورخّص لنفسه بذلك، واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقة، والسعي في أمر الدنيا وجمعها وإمساكها، مقراً باللسان أنه لا مانع ولا معطي إلا الله، وأن العبد لا يصيب إلا ما رزق وقسم له، والجهد لا يزيد في الرزق. ويذكر ذلك بفعله وقلبه.
(يَقُولُون بِأَفواهِهِم مّا لَيس فِي قُلُوبِهِم وَ اللهُ أَعلَمُ بِما يَكتُمُونَ). وإنّما عطف الله بعباده حيث أذن لهم في الكسب والحركات في باب العيش ما لم يتعدّوا حدوده، ويتركوا فرائضه وسننه في جميع حركاتهم، ويعدلوا عن محجّة التوكل، ويقفوا في ميدان الحرص، فأمّا إذا نسوا ذلك وارتبطوا بخلاف ما حدّ لهم، كانوا من الهالكين الذين ليس لهم [معهم] في الحاصل إلا الدعاوى الكاذبة).
فاليقين متفاوت الدرجات، ولا نهاية على زيادة اليقين إلى الأبد، كما في بعض فقرات هذا الخبر.
بـ. علامات صحة اليقين:اليقين حالة في نفس المتيقن، ولها في الإنسان لوازم محسوسة بالوجدان أو بالحسّ الظاهري، فمن أراد أن يعرف وجود اليقين في نفسه أو عند الآخرين، فلينظر في هذه اللوازم الدالة على وجود اليقين، فإنّ لم يجدها، ثبت لديه فقدان ملزومها.
إنّ درجات اليقين متفاوتة، وبتفاوتها تتفاوت أحوال العباد، فإذا بلغ بعضهم في يقينه إلى أن لا يرى غير الله سبحانه ولا يخشى سواه، وتبرّأ من كلّ حول وقوة إلاّ به، واستوت عنده حالتا الوجود والعدم، وإستطاع بهذا الحال أن يمشي على الماء أو على الهواء، فقد انتفى عنده وصف العدوّ والصديق والعز والذل والموت والحياة، وما إلى ذلك من الإعتبارات، لأنّه يراها جميعاً من عين واحدة، فلم يبق- والحالة هذه- لديه موضوع ليترتب عليه حكمه. فلا ضرر كي يتجنّبه ولا عدوّ ليستعدّ له أو يتقيه، ولا قيمة للحياة ليطلب رزقها. إلاّ أنّ هذه الحال لا يصل إليها إلاّ الصدّيقون (ع). وقد عطف الله تعالى بعباده الذين لم يصلوا إلى هذه المرتبة فأذن لهم بالتعلّق بالأسباب ووضع لهم حدوداً وسنناً في جميع حركاتهم ماداموا يرون لغيره من الأسباب والآثار ما لا يراه الصدّيقون (ع).
ج- بعض ما ورد في فضل اليقين:
1- عن النبي (ص) قال:
(اليقين الإيمان كلّه). وقال (ص): (تعلّموا اليقين) وقال (ع): (لا عبادة إلاّ بيقين).
2- عن أمير المؤمنين (ع) قال:
(أيُّها الناس سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية، فإنّ أجلّ النعمة العافية، وخير ما دار في القلب اليقين، والمغبون من غبن دينه، والمغبوط من غبط يقينه).
3- عن أبي عبد الله (ع) قال:
(إن العمل الدائم القليل على اليقين، أفضل من العمل الكثير على غير يقين).
4- وعنه (ع) قال: (اليقين يوصل العبد إلى كلّ حال سَنيّ ومقام عجيب).
د- آثار اليقين:لليقين مراتب ودرجات، ولكل مرتبة منها آثار، وقد تشترك بعض مراتبه في بعض هذه الآثار، فمن آثار بعض مراتبه التوحيد، ومن آثار بعضها التوكل، ومن آثار بعضها الزهد في الدنيا، ومن آثار بعضها الإعتصام بالله تعالى، وهكذا تترتب على هذه المراتب آثارها، وتتسامى أو تهبط بحسب درجة اليقين. ولّما كان منهج الكتاب التقيّد بأبواب جهاد النفس في كتاب وسائل الشيعة، سأقتصر على بعض آثار اليقين في بعض مراتبه، وهي: التوكل، والإعتصام بالله، وقطع الرجاء عن غيره، وحسن الظن بالله تعالى، والإعطاء والمنع في الله والتخلق بمكارم الأخلاق مثل الورع والعفة والحلم والرفق والصبر والتواضع وإنصاف الناس من النفس، والتقوى.