المؤمن هو الذي يتطلع إلى أعلى درجات الآخرة... فهو لايرضى بمجرد الدخول إلى الجنة والنزول في أدنى مراتبها، بل يطلب الوصول إلى درجات القربى والزلفى والرضوان... ويعمل ليكون بجوار النبي (ص).
وإذا كان رسول الله (ص) يطلب الوصول إلى أعلى الدرجات في الجنة حيث كان يطلب من المؤمنين أن يدعو له للحصول على درجة الوسيلة فكيف بنا؟
وفي الدعاء: اللهمَّ أصلح لي ديني فإنَّه عصمة أمري، وأصلح لي آخرتي فإنَّها دار مقرّي، وإليها من مجاورة اللئام مفرَّي، واجعل الحياة زيادة في كل خير، والوفاة راحة لي من كل شر".
قصة وعبرة:عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: كان النبي (ص) إذا سُئل شيئاً فإذا أراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد ألا يفعل سكت، وكان لا يقول لشيء لا، فأتاه أعرابي فسأله فسكت، ثمَّ سأله فسكت، فقال (ص) كهيئة المسترسل: ما شئت يا أعرابي؟
فقلنا: الآن يسأله الجَّنة.
فقال الأعرابي: أسألك ناقةً ورحلها وزاداً.
قال (ص): لك ذلك.
ثم قال (ص): كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني إسرائيل؟ ثم قال: إن موسى لما أُمر أن يقطع البحر فانتهى إليه وضربته وجوه الدَّوابّ رجعت، فقال موسى (ع): يا ربَّ ما لي؟
قال تعالى: يا موسى إنَّك عند قبر يوسف (ع)، فاحمل عظامه وقد استوى القبر بالأرض، فسأل موسى قومه: هل يدري أحد منكم أين هو؟
قالوا: عجوز لعلَّها تعلم.
فقال (ع) لها: هل تعلمين؟
قالت: نعم.
قال (ع): فدلَّينا عليه.
قالت: لا والله حتى تعطيني ما أسألك.
قال (ع): ذلك لك.
قالت: فإنِّني أسألك أن أكون معك في الدرجة التي تكون في الجَّنة.
قال (ع): سلي الجَّنة.
قالت: لا والله إلا أن أكون معك.
فجعل موسى (ع) يراود، فأوحى الله تعالى إليه أن أعطها ذلك، فإنَّها لا تنقصك شيئاً، فأعطاها ودَّلته على القبر".
أقول: قد نعيب على الأعرابي لأنه طلب الدُنيا من رسول الله (ص) والحال أنَّ الكثير منا يذهب لزيارة قبر الرسول (ص) ولكنَّه يطلب ما طلبه الأعرابي فيتوسَّل قائلاً: أريد المال أو الشفاء أو الزواج وغير ذلك من أمور الدُنيا وقلما يطلب الآخرة.
عن ربيعة بن كعب قال: قال لي رسول الله (ص) ذات يوم: يا ربيعة خدمتني سبع سنين، أفلا تسألني حاجة؟
فقلت: يا رسول الله أمهلني حتى أفكَّر.
فلما أصبحت ودخلت عليه، قال لي: ياربيعة هات حاجتك.
فقلت: تسأل الله أن يدخلني معك الجَّنة.
فقال لي: من علَّمك هذا؟
فقلت: يا رسول الله ما علَمني أحد، لكنّني فكَّرت في نفس وقلت: إن سألته مالاً كان إلى نفاد، وإن سألته عمراً طويلاً وأولاداً كان عاقبتهم الموت.
قال ربيعة: فنكَّس (ص) رأسه ساعة ثمَّ قال: أفعل ذلك, فأعنَّني بكثرة السُّجود.